قدم أدب حضارة وادي الرافدين
* طه باقر
قبل أن نورد لمحة عن الميزات العامة لأدب وادي الرافدين القديم ندلل على
حقيقة كونه أقدم أدب عرفه العالم القديم، وذلك بأن نقارنه ونقابله مع آداب
الحضارات القديمة فنقول على الرغم من أن معظم الألواح المدونة بالأدب
السومري والبابلي مما جاء إلينا لحال التأريخ لا يتجاوز عهد تدوينه أواخر
الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد، إلا أن هذه الآداب قد تم
ابداعها ونضجها في الألف الثالث ق. م. فإذا قارنا قدم هذه الآداب، سواء
كان ذلك من ناحية زمن انتاجها أم زمن تدوينها، باقدم الآداب البشرية
الأخرى وجدناها تسبق جميع ما انتجه الفكر البشري.
فبالنسبة إلى مصر القديمة مثلاً لما يأتنا من أدبها شيء من عصر الأهرام،
وهو عصر ازدهار الحضارة المصرية ونضجها (الألف الثالث ق. م.). وقد اكتشف
المنقبون الآثاريون حديثاً في "أوغاريت"، المدينة الكنعانية القديمة،
أدباً كنعانياً، يرقى تأريخه إلى حدود منتصب الألف الثاني ق. م، أي إلى ما
بعد العهد الذي دون فيه أدب وادي الرافدين بأكثر من خمسمائة عام، ومثل هذا
يقال في الأدب العبراني الذي تضمنته التوراة فهو متأخر كثيراً بالنسبة
لأدب وادي الرافدين، إذ لا يتعدى زمن تدوين التوراة القرنين السادس
والخامس ق. م. ونذكر على سبيل المقارنة أيضاً الإلياذة والاوديسة
المنسوبتين إلى هو ميروس، واللتين تمثلان أقدم نماذج للأدب اليوناني،
ونذكر أيضاً الـ "رج- فيدا" الممثلة لأدب الهند القديم، والـ "أفستا"
(الابستاق) المتضمنة أقدم آداب إيران- فما من هذه الآداب القديمة ما دون
قبل النصف الأول من الألف الأول ق.م- أي أن زمن تدوين أدب العراق القديم
يسبقها بما لا يقل عن ألف عام.
وبالإضافة إلى صفة القدم هذه، هناك ميزة أخرى تميز أدب العراق القديم عن
الآداب العالمية القديمة، تلك هي أن كلاً من تلك الآداب التي أوردناها
للمقارنة بأدب السومريين والبابليين قد عانى الكثير من التحوير والتبديل
والإضافة على أيدي النساخ والجامعين والشراح في حين أن الأدب السومري
والبابلي قد جاء إلينا على هيئته الأصلية غير محور، أي كما كتب ودون
بأقلام الكتبة السومريين والبابليين على ألواح الطين قبل 4000 عام.
على أنه مع هذا القدم الموغل في الزمن، فالطريف ما يروى عن السومريين أنهم
لم يتصوروا أنفسهم حديثي عهد في المدينة والحضارة بل عدوا أنفسهم ورثاء
ماضِ بعيد مجيد، إذ تخيلوا ذلك الماضي على هيئة عصر "ذهبي"، كان السلام
والوئام فيه يسودان العالم، فلا خوف ولا حزن ولا بغضاء، وكان الخير يعم
الكون وكان البشر "بلسان واحد يمجدون الاله أنليل"، والجدير بالذكر بهذا
الصدد أن هذه الصورة المتخيلة التي تصور عهداً كان البشر فيه أسعد وأكمل
تقدماً من العصر الراهن قد شاعت بين معظم الشعوب، ولم تتمكن فكرة "التقدم"
البشري من الانتشار إلا في العصور الحديثة، وبوجه خاص منذ منتصف القرن
التاسع عشر، وهناك من ابناء العصر الحالي من لا يزال مأخوذاً متعلقاً
بفكرة "الماضي الذهبي".
المصدر: كتاب مُلحمة كلكامِش
* طه باقر
قبل أن نورد لمحة عن الميزات العامة لأدب وادي الرافدين القديم ندلل على
حقيقة كونه أقدم أدب عرفه العالم القديم، وذلك بأن نقارنه ونقابله مع آداب
الحضارات القديمة فنقول على الرغم من أن معظم الألواح المدونة بالأدب
السومري والبابلي مما جاء إلينا لحال التأريخ لا يتجاوز عهد تدوينه أواخر
الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد، إلا أن هذه الآداب قد تم
ابداعها ونضجها في الألف الثالث ق. م. فإذا قارنا قدم هذه الآداب، سواء
كان ذلك من ناحية زمن انتاجها أم زمن تدوينها، باقدم الآداب البشرية
الأخرى وجدناها تسبق جميع ما انتجه الفكر البشري.
فبالنسبة إلى مصر القديمة مثلاً لما يأتنا من أدبها شيء من عصر الأهرام،
وهو عصر ازدهار الحضارة المصرية ونضجها (الألف الثالث ق. م.). وقد اكتشف
المنقبون الآثاريون حديثاً في "أوغاريت"، المدينة الكنعانية القديمة،
أدباً كنعانياً، يرقى تأريخه إلى حدود منتصب الألف الثاني ق. م، أي إلى ما
بعد العهد الذي دون فيه أدب وادي الرافدين بأكثر من خمسمائة عام، ومثل هذا
يقال في الأدب العبراني الذي تضمنته التوراة فهو متأخر كثيراً بالنسبة
لأدب وادي الرافدين، إذ لا يتعدى زمن تدوين التوراة القرنين السادس
والخامس ق. م. ونذكر على سبيل المقارنة أيضاً الإلياذة والاوديسة
المنسوبتين إلى هو ميروس، واللتين تمثلان أقدم نماذج للأدب اليوناني،
ونذكر أيضاً الـ "رج- فيدا" الممثلة لأدب الهند القديم، والـ "أفستا"
(الابستاق) المتضمنة أقدم آداب إيران- فما من هذه الآداب القديمة ما دون
قبل النصف الأول من الألف الأول ق.م- أي أن زمن تدوين أدب العراق القديم
يسبقها بما لا يقل عن ألف عام.
وبالإضافة إلى صفة القدم هذه، هناك ميزة أخرى تميز أدب العراق القديم عن
الآداب العالمية القديمة، تلك هي أن كلاً من تلك الآداب التي أوردناها
للمقارنة بأدب السومريين والبابليين قد عانى الكثير من التحوير والتبديل
والإضافة على أيدي النساخ والجامعين والشراح في حين أن الأدب السومري
والبابلي قد جاء إلينا على هيئته الأصلية غير محور، أي كما كتب ودون
بأقلام الكتبة السومريين والبابليين على ألواح الطين قبل 4000 عام.
على أنه مع هذا القدم الموغل في الزمن، فالطريف ما يروى عن السومريين أنهم
لم يتصوروا أنفسهم حديثي عهد في المدينة والحضارة بل عدوا أنفسهم ورثاء
ماضِ بعيد مجيد، إذ تخيلوا ذلك الماضي على هيئة عصر "ذهبي"، كان السلام
والوئام فيه يسودان العالم، فلا خوف ولا حزن ولا بغضاء، وكان الخير يعم
الكون وكان البشر "بلسان واحد يمجدون الاله أنليل"، والجدير بالذكر بهذا
الصدد أن هذه الصورة المتخيلة التي تصور عهداً كان البشر فيه أسعد وأكمل
تقدماً من العصر الراهن قد شاعت بين معظم الشعوب، ولم تتمكن فكرة "التقدم"
البشري من الانتشار إلا في العصور الحديثة، وبوجه خاص منذ منتصف القرن
التاسع عشر، وهناك من ابناء العصر الحالي من لا يزال مأخوذاً متعلقاً
بفكرة "الماضي الذهبي".
المصدر: كتاب مُلحمة كلكامِش
الثلاثاء 19 يوليو 2022 - 1:05 من طرف Azmar
» تحميل ملحمة كلكامش كاملة
السبت 10 ديسمبر 2011 - 20:21 من طرف selma24
» تحميل كتاب موسوعة حضارة العالم
الخميس 1 ديسمبر 2011 - 2:33 من طرف رعد الهلالي
» تحميل كتاب عشائر العراق الجزء الثاني
السبت 27 أغسطس 2011 - 4:41 من طرف قاسم الجابري
» فرنسية تتزوج رجلاً ميتاً
الجمعة 22 أبريل 2011 - 9:25 من طرف محمد البابلي
» فيلم الأسبوع: نهاية الكون في "2012" .. وكالعادة أمريكا هي المنقذ
الجمعة 22 أبريل 2011 - 9:09 من طرف محمد البابلي
» عراقي يحصل على براءة اختراع تطويرادوية الرئة المستنشقة
الجمعة 22 أبريل 2011 - 8:51 من طرف محمد البابلي
» سرق شاحنة من موقف سيارات ليكتشف أن بداخلها أسد
الجمعة 22 أبريل 2011 - 8:42 من طرف محمد البابلي
» كان يعشق كرة القدم ..عائلة سوري تنفذ وصية ابنها بعد موته بكتابة اسم مدرب السامبا على قبرة
الجمعة 22 أبريل 2011 - 8:26 من طرف محمد البابلي
» هيفاء وهبي .. اكيد نزير شؤم
الجمعة 22 أبريل 2011 - 8:14 من طرف محمد البابلي